المحررة حمامره تروي تفاصيل اعتقالها
إعلام الأسرى

اللحظات الأخيرة في السجن فصل كامل من المشاعر المختلطة يعيشها الأسرى، ألم وحزن وسعادة، وقد مرت صعبة جداً على قلب حمامرة: "حين غادرت احتضنتني كل واحدة وأخبرتني بعدد الأحضان والقبلات التي ترديني أن أحضنها لأمها بالنيابة عنها، وقفت على باب السجن، والكل يبكي، وأنا متسمرة بمكاني، لا أعرف هل أمضي أم أعود إليهم، ومضى الأسر وثبت الأجر، وقبلت واحتضنت كل أم كما طلبت مني كل واحدة من الأسيرات.

هذا جزء مما روته الأسيرة المحررة "حلوة سليم حمامرة" عن تفاصيل الحياة في السجن ، وظروف اعتقالها القاسية والاهمال الطبي الذي تعرضت له، والتي في معظمها غابت عن وسائل الاعلام وتحدثت عن ظروف الاعتقال القاسي التي تعاني منها الأسيرات في سجن الدامون جراء سياسات الاحتلال العدوانية .

تحدث حمامره عن بداية اعتقالها حيث قالت " في الثامن من شهر نوفمبر من العام 2015  كانَ أشبه بكابوسٍ، بعد أن أطلقت قوات الاحتلال عليها 3 رصاصات، بتهمة محاولتها تنفيذ عملية طعن، ليتبدأ منذ تلك اللحظة حياة لا تشبه أي حياة، حيث اجتماع المرض والسجن ولوعة الفراق ل 6 سنوات عاشتها حمامرة في زنزانة الظلم، كابدت ليلة بليلة، وما أثقل الليالي على ما ينهش جسده الألم، وما أبطأ الثواني على من لم تزره الحرية ويقيده السجان.

 ووصفت حمامره السنوات الستة كأنها ستون عاماً، مرت عليها حيث دخلت حمامره زهرة يانعة في عمر 22 وابنتها رضيعة، لتعود إلى ابنتها وهي ابنة السادسة، وقد تم استئصال كليتها والطحال وجزء من الأمعاء والبنكرياس والكبد.

حياة صعبة ومريرة عاشتها حمامرة منذ أول يوم اعتقال، حيث نقلت وهي في حالة حرجة للمستشفى مكبلة إلى مستشفى هداسا بعين كارم، تم بعدها إجراء عملية الاستئصال فيها، وتم إخراجها عنوة بعد تهديدات من قبل المستوطنين بقتلها.

لعام كامل، بقي الكيس المتصل بأنبوب في جسدها والواصل إلى الكبد معلقاً بجانبها، في وضعٍ صعب وعلاج ضعيف يقدّم لها، تبعه إهمال طبي متعمد وتركٌ لها حيث اصيبت بمضاعفات في المكان الذي دخلت الرصاصة منه إلى جسدها ، وبقيت عام كامل تشكو الآلام الشديدة، لكنهم في كل مرة يخبرونها "وجع عادي" دون إجراء أي فحوصات لها، حتى في إحدى الأيام اعتذرت طبيبة السجن عن الحضور، وقدِم طبيباً آخر بديلاً عنها.

وفي ظل الشكوى والوجع الشديد، وافق طبيب السجن إجراء فحصٍ لحمامرة، فأخبرها أن هناك كيس في مكان الرصاصة وفي حال انفجر سيتسمم الجسد، وتم نقلها في نفس اليوم على مستشفى السجن وإجراء عملية لإزالة الكيس.

وتضيف حمامرة: "كنت أتألم بشكل شديد جداً، ولم يقبلوا إعطائي سوا بعض المسكنات، أخبرهم أني بكلية واحدة، والمُسكنات ستضر بالكلية المتبقية، وجوابهم في كل مرة، إما أن تتحملي الوجع، أو أن تخسري كليتك الثانية، هكذا كانوا يعلقوننا بين الألم الشديد والموت البطيء".

وعن تفاصيل السجن والشوق قالت:" تركت بنتي صغيرة جداً، وكان يحرق قلبي الشوق إليها، فكنت أحضن الوسادة وأبكي، وأغني لها كل الأغاني التي كنت أرددها لها حين كانت بحضني، وكنت أعيش على أمل أني سأخرج إليها وسأعيش معها بحب من جديد".

وتشير إلى أنه حين خروجها من السجن، والتقاءها بابنتها، ساعدها الجميع من حولها في تقريب صغيرتها إليها، وقد حفظت كل شيء عنها، ما تحب وما تكره، وها هي تتخطى الأمر رويداً رويداً، إلا أنها تستدرك حديثها: "لكن حتى اللحظة أعاملها كصديقة لي، وأني أختها الكبيرة، وليس كأم، حتى لا تنفر مني".

وفي السجن، لا شيء يمر سهلاً، كله مُرْ، ومن ذاك المر تسرد حمامرة أصعب المواقف التي مرت عليها خلال سجنها: "في إحدى الزيارات جاءت أمي وطفلتي، لكن الجنود أخبرونا أن ابنتي ليست مسجلة، وأصروا على إعادتها لوحدها وهي في عمر الرابعة، ولم تتحمل أمي ذلك الأمر فأصابتها جلطة على الفور".

وتزيد: "حين دخلت للزيارة، وجدت سيارة إسعاف، ومجموعة أهالي متجمهرة حول أحدهم، فقلت يا الله من هذا الشخص، وحينها حل الأمر كصاعقة عليّ، إنها أمي، عاجزة عن الحديث والحركة تماماً، لا أدري كيف مرت الزيارة، كل ما أدركه ذاك المشهد وانهياري بعدها".

وتضيف حمامرة: "في تلك اللحظة تماماً، بكيت كأنها أول مرة، كيف للجميع أن يحضن أمي ويخفف عنها، وأنا أقف من بعيد حتى عاجزة عن لمس يدها، أو التخفيف عنها، وبقي القلق يأكل رأسي لأنني لا أملك أي وسيلة للتواصل من أجل الاطمئنان عنها، إلى أن زارني المحامي وطمأنني عليها، فكل السجن بجهة، ومرض أمي بجهة أخرى".

وكي لا تستسلم للقلق والألم، قررت حمامرة أن تستغل وقتها وتستثمره بشكل صحيح إلى أن يكتب لها الله الحرية، فكانت تعاني من ضعف في القراءة والكتابة، وبدأت من الصفر إلى أن أخذت شهادة الثانوية العامة، ومن بعدها دورة القانون الدولي ودورة الخرز والخياطة، وكذلك دورة الأحكام والتجويد.

وكلما كان الشوق يُلهب أضلع حمامرة، كانت تمسك الكتاب وتقرأ، حتى قرأت 200 كتاب، كهدية لوالدتها وابنتها، وستكمل مشوارها من بعد الآن في استكمال دراستها الجامعية.

وعن الليالي واللحظات الأخيرة تبين حمامرة، أن هناك فتيات تم دخولهم معها في السجن، إلا أنه متبقي لخروجهم أكثر من 10 سنوات، وهذا الشعور قاتل جداً، فلم تبدِ حمامرة أي بهجة أو سعادة لخروجها، بل تجنبت كل شيء من أجل مشاعر رفيقات دربها التي تركتهم خلفها ينتظرون الفرج.


جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020