كبر الطفل عمر وهو يراقب صورة والده؛ كأنه كان ينتظره كي يتحرك أو يخرج من الصورة ليحتضنه، ولكن الصورة بقيت على حالها حتى أصبح عمر شابا وطالبا جامعيا فُرض عليه واقع من احتلال بغيض أن يعيش دون والده.
منذ أن كان الطفل في رحم والدته حرمه الاحتلال من والده الأسير سليم حجة من قرية برقة قضاء مدينة نابلس، وفوق هذا الحرمان تم الحكم عليه بالسجن المؤبد ١٦ مرة و٣٠ عاما منذ أن تم اعتقاله عام ٢٠٠٢، ولكن ما يزيد هذه الغصة أن الاحتلال يتفنن في عقاب الأسير ويحرم زوجته من زيارته.
الاعتقال والحكم
كان سليم واحدا من المطاردين للاحتلال خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام ٢٠٠٠، ولكن ذلك لم يمنعه من الزواج بفتاة ملتزمة عاهدته على السير معه في دربه رغم علمها أنه مطارد وقد يُعتقل أو يستشهد في أي لحظة.
تم عقد القران ومن ثم زفاف بسيط لم يحضر سليم إلا جزءا منه بسبب مطاردته، وبعدها لم يلتق بزوجته إلا مرات قليلة في منزل عائلته، ثم ودعها وقال لها إن بقاءه في المنزل قد يقود لاعتقاله، ولكن اعتقاله كان من مدينة رام الله في شهر نيسان من عام ٢٠٠٢.
كانت أم عمر حاملا بطفلها الوحيد عمر حين اعتقل زوجها؛ وبدأت منذ ذلك الحين رحلة العذاب وحدها صابرة محتسبة، فأنجبت طفلها بينما زوجها في أقبية التحقيق التي أمضى فيها مئة يوم كاملة من التعذيب النفسي والجسدي.
وتقول زوجته لـ مكتب إعلام الأسرى إن تلك الفترة كانت صعبة للغاية ولكنها بفضل الله تعالى تمكنت من تخطيها.
وتوضح أن فترة التحقيق كانت الأقسى على العائلة حيث لم تعرف عن الأسير شيئا ولم تتمكن من رؤيته، بينما تمكن طفله عمر من رؤيته للمرة الأولى في جلسة محاكمته بعد عام من اعتقاله.
وصدر الحكم المتوقع على الأسير؛ السجن المؤبد ١٦ مرة و٣٠ عاما، وكان اعتقل قبل هذه المرة لخمس سنوات ونصف، وفصل عام واحد فقط بين الاعتقالين.
أما عن اعتقاله فكان من مقر الأمن الوقائي في مدينة رام الله بعد أن اعتقله عناصر الجهاز من نابلس، حيث اقتحمت قوات الاحتلال المقر واعتقلته من داخله.
منع الزيارات
ومنذ اعتقاله تنغص قوات الاحتلال على عائلته في زيارته، حيث أصدرت قرارا بالمنع الأمني على أم عمر بخصوص الزيارات، ما جعلها تُمنع من زيارته إلا مرة كل عام أو عامين.
وتقول إن تلك الزيارات القليلة كانت تحمل معها كما هائلا من التنغيص عليها؛ حيث يتم إيقافها في كل مرة لساعة أو ساعتين وعرقلة مرورها بحجة الفحص، ويتم إرجاعها في كثير من الأحيان.
وأضافت:" في كل مرة يجب أن أقف عند نافذة الفحص لوقت طويل؛ وينغصون علينا في الزيارة ونحن نعلم انه مجرد عقاب لزوجي لأنه لا يوجد لدي ملف أمني".
أما طفلها عمر الذي أصبح شابا في سنته الجامعية الأولى الآن؛ فيزور والده باستمرار ولكنه كان يمر في مواقف كثيرة قاسية وهو صغير ليتمكن من زيارة والده.
وتتابع:" كنت أرسله وهو ابن عامين وثلاثة أعوام مع صديقتي التي تزور زوجها الأسير؛ فأمضي الليلة في بيتها وفي الصباح الباكر أستيقظ قبل طفلي وأختبئ في غرفة ثانية فلا يجدني حين يستيقظ؛ وتقوم صديقتي بتبديل ملابسه ومحاولة إقناعه أنه سيذهب لزيارة والده؛ ويخيم بكاؤه على المنزل وقلبي يعتصر عليه ولكنها الطريقة الوحيدة التي أجعله بها يرى والده؛ وحين يصل إلى الزيارة يبقى وحيدا أمام والده ويتحدث معه عبر سماعة الهاتف ليفجر دموع كل الحاضرين".
وتعرض الأسير حجة لكثير من العقوبات كالنقل التعسفي والاعتداء الجماعي على الإسرى، ولكنه رغم ذلك بقي مصرا على إكمال دراسته حيث كان طالبا في كلية الشريعة بجامعة النجاح، فحصل خلال اعتقاله على بكالوريوس في ااعلوم السياسية من جامعة الأمة ودبلوم في تأهيل الدعاة من كلية العلوم التطبيقية وبكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى؛ إضافة إلى دورات كثيرة في الإعلام والصحافة واللغات.