ملأت صوره أرجاء المنزل ووضعت عائلته المقاعد لاستقبال المهنئين وتناثرت الورود لاستقباله؛ فبعد عدة أشهر من الاعتقال الإداري لا توصف الفرحة للإفراج عنه.
ولأنه في سجن النقب توجهت عائلة الأسير ماهر دلايشة (46 عاما) من مخيم الجلزون شمال رام الله إلى حاجز الظاهرية جنوب الخليل لاستقباله؛ ورغم حرارة الجو والصيام في يوم عرفة إلا أن ساعات الانتظار على المعبر كانت مرفقة بالصبر لرؤيته.
مرت ساعات طويلة وخرج كل الأسرى المقرر الإفراج عنهم؛ ولكن ماهر لم يخرج بعد، وافترشت العائلة الأرض للانتظار بعد ما أصابها من تعب منذ ساعات الصباح؛ وحل الليل الطويل دون أن يطل ابنها من خلف الأسوار والبوابات؛ ثم جاءها الخبر القاتل بأن الاحتلال أعاد اعتقاله قبل وصوله إلى بوابة السجن وجدد له اعتقاله الإداري.
زوجته أم وليد تصف لـ مكتب إعلام الأسرى تلك اللحظات بالصادمة؛ فكل التجهيزات كانت قائمة والأهم من ذلك أن نفسية أطفاله الخمسة تحطمت حين علموا بإعادة اعتقال والدهم الذي غاب عنهم لسنوات في تسع اعتقالات.
وتوضح أن قرار إعادة الاعتقال وتجديد الإداري كان مدمرا للعائلة التي عادت أدراجها إلى رام الله وهي تميح دموع الحزن التي لم تتحول إلى دموع فرح أبدا.
الأسير ماهر والذي ذاق مرارة الإداري لخمس سنوات رفض هذا الظلم؛ ولم يقبل الدخول إلى أقسام السجن وأعلن فورا الإضراب عن الطعام رفضا لاعتقاله الإداري، وها هو يصارع سجانه بأمعائه الخاوية منذ ثمانية أيام.
وتتابع زوجته القول:" لم يمض على الإفراج عنه من اعتقاله الأخير سوى خمسة أشهر ثم أعيد اعتقاله من جديد؛ الإداري لم يجعل لنا مكانا للفرح أو العيش بهدوء، والمعتقل إداريا يصارع وحده مع عائلته هذا الاعتقال الجائر الحارق للأعصاب، وهذه ليست أول مرة يتم تجديد الإداري له بهذه الطريقة؛ فنكون دوما على استعداد للإفراج ووسط التحضيرات نُبلغ بتجديد الإداري".
خطوات قادمة
ومع تصاعد وتيرة الاعتقالات الإدارية بحق الفلسطينيين منذ انتهاء العدوان الأخير على قطاع غزة؛ بدأ المعتقلون يستعدون للقيام بخطوات عدة للتصدي لهذه السياسة.
ويقول الأسير المحرر علي الجدع من بلدة حبلة جنوب قلقيلية لـ مكتب إعلام الأسرى إن خطوات يستعد لها المعتقلون في الاعتقال الإداري لمواجهة ما تقوم به مخابرات الاحتلال من تمديد الاعتقال بشكل تعسفي ومزاجي يهدف إلى النيل من نفسية الأسير وعائلته .
ويوضح المحرر الذي أمضى 22 شهرا في هذا الاعتقال، أن الاعتقال الإداري يعتبر عنصريا وظالما يخضع فيه كل معتقل إلى عذاب البوسطات من أجل محاكم صورية ووهمية تسمى محاكم التثبيت والاستئناف؛ وتكون فيها الكلمة فقط لضابط مخابرات المنطقة من خلال النيابة العسكرية؛ والقاضي لا قيمة له وهامشه بسيط جداً.
وأكد أن المعتقلين الإداريين يخوضون معارك صامتة فالبوسطة لها نصيب من هذا العذاب؛ حيث أن كل محكمة استئناف أو تثبيت يحتاج المعتقل الإداري من ثلاثة إلى أربعة أيام وهو يتنقل بين السجون حتى يصل المحكمة؛ وخلال مكوثه في تلك المعابر الأمنية يعيش حياة قاسية لا تليق بالحياة الآدمية، لذلك فمعظم المعتقلين يقاطعون تلك المحاكم الصورية، وحتى استبدال المحكمة بتلك المتلفزة يعد عذابا من نوع آخر، فيتم نقل الأسير من سجنه إلى قاعة مغلقة يمكث فيها سبع ساعات دون طعام أو شراب.
وأضاف:" المعتقلون الإداريون من خلال تحديد عنوانهم في المفاوضة مع إدارة السجون حول الاعتقال الإداري وضعوا كل التفاصيل المطلوبة من أجل لجم الاحتلال في هذا الاعتقال الظالم والعنصري؛ وينتظرون الرد على مطالبهم للقيام بخطواتهم القادمة".
ويخوض 14 أسيرا فلسطينيا إضرابا مفتوحا عن الطعام رفضا لاعتقالهم الإداري، في خطوة واسعة رفضا لهذا الظلم، ومن المتوقع أن يدخل آخرون في هذه المعركة في ظل تزايد الاعتقالات الإدارية.
بدوره أعرب رئيس جمعية نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس عن توقعه بأن يرتفع عدد الأسرى المضربين عن الطعام قريبا ليصل إلى العشرات، مؤكدا أن ١٤ أسيرا يخوضون حاليا الإضراب المفتوح عن الطعام رفضا لاعتقالهم الإداري الجائر وسط محاولات لكسر إضرابهم عبر نقلهم للزنازين وفرض عقوبات عليهم.
والأسرى المضربون هم: سالم زيدات، ومحمد اعمر، ومجاهد حامد، ومحمود الفسفوس، وكايد الفسفوس، ورأفت الدراويش، وجيفارا النمورة، وماهر دلايشة، وعلاء الدين خالد علي، وأحمد عبد الرحمن أبو سل، ومحمد خالد أبو سل، وحسام تيسير ربعي، وفادي العمور، والأسير أحمد حسن نزال.
وأشار فارس في تصريحات إعلامية إلى أن الأسرى في حوار رسمي وعلى مستوى هيئات قيادية لتوسيع رقعة الإضراب ليشمل العشرات من الأسرى، مؤكدا أنه كلما اتسعت رقعة المشاركة الشعبية في هذه المعركة كلما كان مداها الزمني أقصر.
ولفت إلى أن الخطة ستتضح خلال الأيام القادمة، داعياً الى عدم الاستخفاف بأي خطوة وجهد مهما كان لأن قوات الاحتلال تريد أن تكون معركتها مع الأسير المضرب عن الطعام لوحده في زنزانة بعيداً عن الإعلام، مشددا على أن هناك إجماعا عالميا على رفض الاعتقال الإداري الذي تمارسه قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، وداعياً إلى أن يتحول هذا الأسلوب من الاعتقال الى عبء على دولة الاحتلال .