لا تملك والدته سوى الدموع والدعاء لتسترجع فلذة كبدها إلى حضنها؛ فلم تكن تتوقع أن الصورة التي ستراه عليها يوماً هي الحالية؛ مقيدا في سرير مستشفى وغائبا عن الوعي.
ولم تتمكن والدة الأسير إياد حريبات (٣٩ عاما) من دورا جنوب الخليل من رؤيته جيدا حين سُمح لها بزيارته في المستشفى، فدخلت الغرفة وهي تتوقع أن ترى وجهه المنير وابتسامته العذبة؛ ولكنها وجدت بدلا من ذلك جسدا مدفونا تحت الأجهزة الطبية وعشرات الأنابيب التي تخترق جلده، بينما كان هو فاقدا للوعي مغمضا عينيه دون حراك.
محاولة اغتيال!
كان إياد ذاك الشاب المهذب الخلوق طالبا في سنته الثانية لدراسة الهندسة في جامعة النجاح الوطنية بنابلس؛ حين اعتقلته قوات الاحتلال عام ٢٠٠٢ في بداية انتفاضة الأقصى وحاكمته بظلمها وألقت به في شباك الحكم المؤبد مدى الحياة.
يقول شقيقه موسى لـ مكتب إعلام الأسرى إن إياد كان شابا قوي البنية ذا صحة ممتازة ولم يعان من أي شيء منذ اعتقاله وحتى عام ٢٠١٤؛ حيث طرأ تحول كبير في حالته الصحية آنذاك.
مجموعة من السجانين أخذت إياد من بين إخوانه الإسرى ونقلوه إلى زنزانة انفرادية؛ وهناك تم حقنه بمادة غريبة قلبت حياته تماما؛ حيث أصبح بعدها غير قادر على المشي سوى بمساعدة الكرسي المتحرك.
وأكد موسى أن إياد عانى كثيرا بعد تعرضه لمحاولة الاغتيال هذه؛ حيث تدهور وضعه الصحي واعتنى به رفاقه في الأسر؛ وبعد عام ونصف مم المكوث في سجن الرملة تحسن وضعه الصحي بمساعدة الأسرى فقط وعاد إلى الأقسام العادية.
وفي عام ٢٠١٧ بعد أن استعاد إياد قدرته على المشي والحركة من جديد؛ قامت إدارة سجن ريمون بقمع الأسرى والاعتداء عليهم وكان بينهم إياد؛ حيث رشقه السجانون بمادة حارقة غريبة أصيب على إثرها بحالة خطيرة؛ وتم نقل الأسرى المصابين إلى العيادات بينما تم نقل إياد إلى جهة مجهولة لم يعرف عنه أحد أي شيء لمدة ستة أشهر.
وأوضح موسى أن العزل في تلك الفترة كما تناقل الأسرى كان في إحدى زنازين سجن عسقلان؛ وبعد عودة إياد إلى القسم تفاجأ الأسرى بحالته حيث عاد للكرسي المتحرك وفقد جزءا من ذاكرته لدرجة أنه لم يتعرف على والدته في إحدى الزيارات.
إهمال بغرض القتل
إياد كان على مستوى عال من الثقافة ويتحدث ثلاث لغات بطلاقة؛ وتمكن من الحصول داخل سجنه على درجة البكالوريوس في القانون الدولي والعلوم النفسية، وكان مثقفا لدرجة أن الأسرى لقبوه بالعالِم، ولكن يبدو أن الاحتلال لا تروق له كل هذه الإنجازات فيحاول أن يقتل ببطء صاحبها!
ويؤكد شقيقه أنه في التاسع عشر من حزيران الحالي هاتف إياد عائلته وكان وضعه الصحي آخذ بالتحسن ولا يعاني من أي شيء؛ وبعد ذلك حدث معه "حصر بول" لمدة خمسة أيام دون اكتراث من إدارة السجن التي حاول إياد مطالبتها مرارا بعلاجه.
زاد الألم لدى إياد وسط تجاهل متعمد من إدارة السجن؛ وفي نهاية المطاف بعد ضغوطات من الأسرى وطرقهم على الأبواب تم نقله لعيادة سجن رامون؛ ليتم تركيب أنبوب له هناك ووضع كيس للبول وإعادته للسجن بعد نصف ساعة فقط، ثم خرج الأنبوب من جسده وحده لأنه تبين أن من قام بهذه العملية هو عسكري معه دورة إسعاف فقط!
وأضاف شقيقه أن انفلات الأنبوب سبب نزيفا لإياد من الساعة الثانية ليلا وحتى الثامنة صباحا دون أي اكتراث من السجانين؛ وبعد ذلك غاب عن الوعي وحينها فقط تم نقله للمستشفى.
وبعد وصوله لمستشفى "سوروكا" تبين أن إياد تعرض لانفجار في المثانة ونزول البول إلى الحوض والجهاز التناسلي ما تسبب بحدىث عفن وتلف وانتشار البكتيريا مسببة أضرارا خطيرة وصلت للرئتين اللتين أصبحتا تعملان فقط بنسبة ٢٥٪.
وأكد موسى أن إياد ما زال على جهاز التنفس الاصطناعي في غيبوبة؛ كما يساهم الأطباء في تنويمه لأن جسده لن يتحمل ما يحدث معه؛ وحين زارته والدته مرة واحدة خرجت من غرفته وهي تبكي وكأنها شعرت أنه لن يعود كما السابق وأحست بحالته الحرجة للغاية.
العائلة حاولت التواصل مع مختلف الجهات الحقوقية والإنسانية؛ ولكن تعنت الاحتلال لم يفلح في إنقاذ إياد من بين أيديهم، حيث تسبب الإهمال الطبي المتعمد بكل ما وصل إليه حاله اليوم.