دموع ملأت وجنات المحبين في رحيل القائد الشيخ المحرر عمر البرغوثي "أبو عاصف"، فكوبر المجد تلك البلدة الوادعة شهدت واحدا من أعظم الأحداث التاريخية يوم الجمعة الماضية وهي وداع جبل فلسطين.
المشهد المهيب جعل كل فلسطيني يستذكر لحظاته معه وإن كانت قصيرة؛ وكان لرفقاء السجن نصيب كبير من تلك الذكريات كونه أمضى قرابة ٣٠ عاما في مقابر الأحياء.
المحرر محمد مصلح نزال (58 عاما) من قلقيلية التقى بالشيخ أبو عاصف في سجن مجدو عام 1995؛ وكان وقتها خضع لتحقيق قاس ولم تثبت عليه تهمة لصلابته أمام المحققين الصهاينة؛ فتم تحويله للاعتقال الإداري.
ويقول نزال لـ مكتب إعلام الأسرى إن الشيخ ورغم قسوة التحقيق لم يظهر عليه أي تذمر أو ضجر من شدة التحقيق أو الملاحقة الدائمة له ولعائلته وأبنائه، فكان يخفي ألمه ويظهر عدم اكتراثه، وكان يردد دوما "لو أظهرت ألمي أمام الأسرى لكانت النتائج عكسية عليهم".
وأوضح أن الشيخ كان حريصا على نفسيات الأسرى ومعنوياتهم أكثر منهم، وهي قمة الإيثار؛ حيث كان دوما يظهر الجانب البطولي لهم ويشعرهم بأن طريقهم هو طريق العزة والقوة، وكان يشكل رافعة لمعنويات الأسرى ويعلمهم أدبيات الحياة الاعتقالية.
وحول شخصية أبي عاصف المحببة أكد نزال أنه كان صاحب نكتة هادفة؛ وكان والداه حاضرين دوما في حديثه مع إخوانه، وعن تحديهم للاحتلال على أبواب السجون.
قوة وعزيمة
أما المحرر الطالب في الدراسات العليا في جامعة النجاح ساجي أبو عذبة من قلقيلية فلا ينسى أبدا موقفا جمعه مع الشيخ الفقيد في سجن مجدو.
وقال لـ مكتب إعلام الأسرى إن الشيخ غضب منه وزجره معاتباً بصوته الجهوري أمام الجميع في ساحة السجن قبل سبع سنوات حين مد أبو عذبة يده اليسرى ليأخذ مصحفه؛ فقال له: "شباب الإسلام لا يحملون مصاحفهم باليد اليسرى، مد يمينك يا ولد".
ويستذكر كذلك الوجه الآخر للشيخ؛ حيث يصفه بالعابد المعظم لشعائر الله، العبد الذليل بين يدي ربه في قيامِ ليلٍ طويل، الخاشع مع آياته، المتبتل في خلواته، الزاهد، التقي النقي، المتصل بربه، الذي يتقن فن عبادات الخفاء، أمين الأسرار التي لا تنكشف أنوارها إلا بعد الرحيل.
وأضاف :"كان رحمه الله عزيز النفس، من العيار الثقيل في تربيته، الذهب العتيق، الرجل الأصيل، لا يرضى بالصغائر وإن كانت تفاصيل مهملة، يحرص على الوعي، على جوهر الصراع، لا تنحرف معانيه الأولى ولا تتلوث، كان يعاقبنا بروحه الأبوية المرحة على كلمات عبرية تسللت إلى ألسنتنا بحكم الواقع الاعتقالي، يستفزه كسلنا، يؤنبنا على تقصيرنا في صلاة الليل، يكره الميوعة والفراغ، يغرس فينا الجد بروح الأخوة".
ورثى أبو عذبة شيخه بالقول:" سنظل نتحدث عنك، عن معايشتك، سنفخر أننا عرفناك عن قرب وعشنا في زمنك، سنظل نتذكر صوتك، صوت الأرض المقدسة، وأنت تنشد فينا أهازيج الثأر والثورة، في أمان الله، طبت حيّاً وميتاً، إلى ربٍّ رحيمٍ يفرح بعباده الصالحين، السلام عليك وعلى صالح وعلى آل بيتك الصابرين، السلام على أسرار العز التي دفنت في صدرك، السلام على عباد الله المرابطين المجاهدين".
كنز ثمين
بدوره يقول المحرر بشير داود من قلقيلية إن رحيل الشيخ عمر البرغوثي كان بمثابة فقدان كنز ثمين لفلسطين ولأبناء دعوتها الإسلامية.
ووصف لـ مكتب إعلام الأسرى شعور المعتقلين حين كان الشيخ بينهم؛ فكانوا ينهلون من علمه وخلقه ويستفيدون من تجاربه الطويلة.
وتابع:" أن تكون زميلا في الأسر مع الراحل القدوة أبو عاصف يعني أنك امتلكت كنزا ثمينا؛ فكل تفاصيل حياته تجارب يستفيد منها كل إنسان، وعلى صعيد الحركة الأسيرة كان رافعة وتجاربه السابقة كانت إثراء لكل الأسرى، ومن الأمور التي كان يركز عليها عدم الاعتراف في التحقيق مهما كانت الأسباب فالاعتراف ضعف وخسارة تقدم للاحتلال ".