الأسير سليم حجة .. أيقونةٌ فريدةٌ في عالم الأسر و20 عاماً مجتمعة تلخص مسيرةً جهادية
الأسير سليم حجة
إعلام الأسرى

في قريةٍ تحتضن ما يزيد عن 20 عائلةٍ تفتقد أبناءً لها على قيد الحياة، ولكن اعتقال الاحتلال الصهيوني لهم غيبهم عن العائلة والأبناء والمحبين، كان اللقاء خاصاً مع عائلة أسيرٍ تنتظر منذ سنينٍ طويلة عودة ابنها وانضمامه إلى الحياة مرةً أخرى.

الكلمات لم تكن كافية لتغريد حجة(أم عمر) حين بدأت الحديث مع مكتب إعلام الأسرى حول زوجها الأسير سليم محمد سعيد حجة(44عاماً) من بلدة برقة قضاء مدينة نابلس؛ رغم أنها وعلى حد قولها لم تعش معه سوى 80 يوماً، وكانت في كل مرةٍ تذكر لنا هذا الرقم تزيد عليه لاحقة "متفرقة".

هي 80 يوماً متفرقة فعلاً عاشتها أم عمر برفقة زوجها سليم حجة، بين اعتقالاته السياسية، وحياته مطارداً، وصولاً إلى اعتقاله لدى الاحتلال الصهيوني، فمنذ سنّه الغضة دأب الأسير حجة على مقاومة الاحتلال الصهيوني بكل ما أوتي من قوة، مقاومة حرمته أن يعيش حياةً هادئة برفقة عائلته وبرفقة زوجته ونجله الوحيد"عمر"، عمر الذي كبر دون أن يعرف معنى أن يكون لديه والد، فكل ذكرياته برفقته تتضمن رحلةً طويلة، عبوراً مذلاً على الحواجز وحاجزاً زجاجياً يرى فيه صورة والده التي لا يعرف بعد كم ستبقى غائبةً عنه.

في برقة

نشأ الأسير سليم حجة في قرية برقة، وسط عائلةً كبيرةٍ نوعاً ما، مكونةٍ من 12 فراداً ثمانية أخوات، وأربعة أخوة، ووالدٍ ووالدة أفنيا حياتهما كي تعيش هذه الأسرة حياةً كريمة.

الأسير حجة حصد شهادة الثانوية العامة في قريته برقة، والتحق بصفوف جامعة النجاح الوطنية، لتبدأ أيام النضال تتولد لديه شيئاً فشيئاً، فهي خمس سنواتٍ أو يزيد، حاول فيها الأسير حجة أن يكمل تعليمه في جامعة النجاح الوطنية في كلية الشريعة، ولكن الاحتلال كان يعتقله في كل مرة كان فيها على وشك أن يحصد درجة البكالوريوس، فاعتقل مرةً مدة شهرين، واعتقل مرةً ثانية مدة خمس سنواتٍ ونصف، ولم يستطع إكمال تعليمه الجامعي.

حياةٌ غير تقليدية

قدر للأسير حجة لاحقاً أن يلبي طلب والديه وحلمهما في تزويجه، رغم أنها العبارة التي تتكرر على ألسنتهم أجمعين" إن البقية الدنيوية فينا هي التي تمنعنا أن نخبر نساءنا عند خطبتهن و هن في بيوت آبائهن أن حياتنا معهن قصيرة، و أن المصالح اليومية لدعوتنا مقدمة على حقهن، هذه المرة وقع الاختيار على أم عمر لتكون الطرف الثاني في هذه المقولة، ليتزوجا في ظروفٍ غريبة في الوقت الذي كانت فيه الانتفاضة مشتعلة، تقول أم عمر" كان لقاؤنا وزواجنا غير تقليدي أبداً فأنا أتذكر أننا أقمنا حفل زواجٍ كنت فيه موجودة، وغاب سليم، فقد كان مطارداً، وأتذكر اجتماعنا لاحقاً في مدينة نابلس بعيداً عن العيون، حتى جاء الوقت الذي نشرت فيه الصحف الإسرائيلية خبر الكشف عن خلية عسكرية كان زوجي عضواً فاعلاً فيها، لتبدأ مسيرةٌ حياتية أكثر غرابةً بالنسبة لنا، وبالنسبة للجميع".

اعتقالٌ نوعي

عملية حيفا، عملية سبارو، عملية الدولفين، عملية محولا، هي أسماء مألوفة خاصةً للأسير حجة، فقد اتهمه الاحتلال بالضلوع في تنفيذ عدد منها، والمساعدة في إنجاح العدد الآخر، ليصبح اعتقال الأسير حجة لاحقاً مجرد مسألة وقت، بعد أن تم كشف الخلية التي ينتمي إليها.

اعتقال حجة لم يكن روتينياً أبداً، فقد جرى اعتقاله خلال الاجتياح الصهيوني لمدينة رام الله بتاريخ 22/4/2002، ليصدر لاحقاً بحقه حكمٌ يبلغ 16 مؤبداً، إضافةً إلى 30عاماً.

رقمٌ صعب طفا على السطح وكان على عائلته أن تتعامل معه وتتقبله، كانت زوجة الأسير حجة على موعدٍ مع استقبال مولودهما البكر"عمر" ليحل طفلاً على عائلته وينسيهم شيئاً من آلامهم، عمر لوحده يحمل قصصاً كثيرة مع والده، فقد أضحى اليوم شاباً بعمر الثانية عشر تقريباً، ولم تتح له فرصة العيش برفقة والده كما الأطفال الآخرين.

تتذكر زوجة الأسير حجة أن ابنها عمر وبعمر السنتين كان يضطر لزيارة والده برفقة عائلةٍ أخرى، ففي ذلك الوقت كانت عائلة الأسير حجة مجتمعة ممنوعةً من الزيارة، وكان على الأمل الوحيد والفرصة اليتيمة للأسير حجة ليتنفس الأمل هي إرسال الطفل عمر في ذلك الوقت برفقة عائلة أسيرٍ آخر يزور والده ويعود، وانقضت فترةٌ طويلة على هذه الحالة.

عمر كان صغيراً وكانت رؤية والده من خلف الزجاج تثير حيرته ودهشته في آن واحد، فكانت العائلة المتكفلة بزيارته، تحدث والدته حول لهفته لرؤية والده وتعرفه عليه في المرة الأولى رغم أنه لم يره سوى صوراً، وتقبله السريع له كان شيئاً مفرحاً للأسير حجة ولزوجته بكل تأكيد.

منغصات الاعتقال

لم ينعم الأسير حجة خلال فترة اعتقاله من الاستقرار على صعيد المكوث في سجنٍ واحد، فقد تنقل من سجن جلبوع إلى سجن نفحة، إلى سجن شطة، إلى سجن أيشيل، وعاد منذ شهرين تقريباً إلى سجن جلبوع.

تنقلات الأسير حجة كانت تحرمه من أشياء كثيرة، من إكمال تعليمه الذي كان متاحاً في سجنٍ ولم يكن كذلك في آخر، وأيضاً من إكمال علاجه، فتؤكد عائلته على أنه عانى من آلامٍ حادة في جسده لم يعرف مصدرها وفي كل مرة كانت العائلة تحاول فيها إدخال طبيبٍ لعلاجه، كان يتم نقله إلى سجنٍ آخر، لتصبح المسكنات العلاج الوحيد الذي يأخذه، وتؤكد زوجته على أن وضعه الصحي اليوم مستقر.

زوجة الأسير حجة بشكلٍ خاص لم تزره منذ ثلاثة أشهر بحجة المنع الأمني وتنتظر شهر تشرين الأول حتى تتمكن من زيارته إن تم إصدار تصريح لها، كما أن والدته أم نافذ تعاني كثيراً من الزيارة نظراً لوضعها الصحي الصعب جداً، وعدم قدرتها على المسير بطريقة مريحة، وقد طالبت العائلة بالسماح بزياراتٍ خاصة لها وبحافلة خاصة، ولكنها تؤكد على أن تلك الزيارة كانت أسوء من الزيارة العادية، وزادت وضعها الصحي سوءاً.

إنجازاته العلمية

تمكن الأسير حجة خلال فترة اعتقال من اغتنام الوقت بصورةٍ مثالية، فقد حصل على شهادة البكالوريوس من جامعة الأقصى في تخصص التاريخ، كما ودرس تأهيل الدعاة في الجمعة نفسها مدة سنتين، وكان حاول أن يدرس تخصص العلوم السياسية في الجامعة العبرية غلا أنه لم يستطع إكمال بسبب منع الاحتلال له لاحقاً، كما وتسجل حديثاً ليدرس الإعلام لكن نقله الغير متوقع إلى سجن جلبوع ضمن حملة نقل أسرى حماس التي حدثت قبل حوالي الشهر، حالت بينه وبين ذلك.

ولعل أكبر إنجازٍ يحققه الأسير حجة خلال مسيرة 20 عاماً من اعتقالاته "مجتمعة" هو إصدار كتاب درب الأشواك، الذي تحدث فيه حول كبار المجاهدين والشهداء والأسرى، كما وذكر فيه حياة المطاردة التي عاشها وقصة زواجه الفريدة.

الأسير حجة دخل خلال فترة عيد الأضحى عامه العشرين في سلسلة اعتقالاته مجتمعة، وعامه الرابع عشر في اعتقاله الأخير، وكانت زوجته توضح هذه الأرقام أثناء حديثنا مع مكتب إعلام الأسرى، وكأنها تحفظها عن ظهر قلب، الأسير حجة يعتبر أيقونة لتجربةٍ اعتقاليةٍ فريدة من نوعها مرت بكل ما يمكن أن يمر به الأسير الفلسطيني، ورغم حكمها المؤبد الذي لا يبدو أنه سينتهي إلا أن أمل عائلته بالإفراج عنه كبيرٌ جداً.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020