اتصال هاتفي كان كفيلا أن يغير حياة عائلة الأغبر من مدينة نابلس التي كانت تنتظر عودة ابنها البكر من دوامه الجامعي، ولكنه لم يعد أبدا وبقيت في انتظاره حتى الآن.
كلمات بالعربية المحطمة تحدث بها أحد ضباط الاحتلال مع والد الشاب عماد ضرار الأغبر؛ سأله فيها إن كان يعرف أين ابنه فأجاب بأنه في دوامه المعتاد أو مع أصدقائه، ولكن الضابط صرخ قائلا: ابنك هنا! ابنك لدي الآن!
الحكاية بدأت في الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان عام 2017؛ حين تناقلت وسائل الإعلام خبر وقوع عملية طعن في مدينة يافا المحتلة التي يسميها الاحتلال "تل أبيب"، وكما أي عائلة فلسطينية تابعت عائلة الأغبر الأخبار تلك بالقول "الله يحميه.. الله يكون معه"، دون أن تعلم أن ابنها عماد هو الفارس هذه المرة.
ويقول والده لـ مكتب إعلام الأسرى إنه بعد ساعات من تنفيذ العملية تلقى اتصالا من أحد الضباط يخبره فيه أن ابنه عماد هو منفذ العملية، فسقط قلبه خوفا وترقبا وظن أنه استشهد، ولكن رحمة الله كانت أن عماد لم يصب بأي أذى سوى حين انهال عليه الجنود بالضرب المبرح.
ويوضح بأنه شعر بالصدمة فعماد كان في دوامه في جامعة النجاح الوطنية يدرس في سنته الأولى بتخصص التربية الرياضية، ولم يتوقع منه أبدا أن يقوم بتنفيذ عملية فدائية أو حتى أن يصل إلى الأراضي المحتلة.
أيام قاسية طويلة مرت على العائلة دون أن تعلم أي خبر عن عماد؛ فهي تعلم فقط أنه في مركز تحقيق "بيتح تكفا" يتعرض لتحقيق قاس ويتم تمديد اعتقاله دون أن تتمكن من رؤيته أو التخفيف عنه.
ويؤكد الوالد بأن نجله تعرض للتعذيب النفسي والشبح المتواصل خلال التحقيق معه وأنه كان يحرم من النوم لساعات ويتم تهديده باعتقال عائلته وأشقائه وتعذيبهم.
في اليوم ذاته الذي اعتقل فيه عماد كان عشرات من جنود الاحتلال يقتحمون منزله في حي المساكن بمدينة نابلس؛ حيث قاموا بتخريب المحتويات وترويع العائلة وخاصة أشقاءه الأطفال، وكذلك حاولوا الاعتداء على والديه.
ويقول والده إن الاقتحام استمر لعدة أيام؛ ففي كل ليلة يتم اقتحام المنزل وتفتيشه وترويع قاطنيه، ثم في إحدى المرات تم اعتقال الوالد لمدة عشرة أيام.
ويضيف:" تم اعتقالي بغرض الضغط على نجلي، كنت أواجه اعتقالا سيئا وظروف احتجاز مقيتة، حيث كانوا ينقلونني ما بين معسكر حوارة وسجن مجدو ومعسكر سالم وكلها كانت سيئة الظروف".
بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال تمكنت العائلة من حضور محاكمة عماد ورؤيته للمرة الأولى منذ اعتقاله؛ كان مكبلا بالقيود التي غطت جسده النحيل وعمره الفتي؛ فحينها لم يكن يتجاوز من العمر 19 عاما.
وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال تمكنت العائلة من زيارته للمرة الأولى، لترى فيه قلب رجل صلب ومعنويات تناطح السحاب وكأنه كبر فجأة داخل الأسر بين إخوانه.
الحكم والإرادة
لم تمر فترة طويلة حتى أصدر الاحتلال حكمه على الأسير عماد، وهو الذي كان صاعقة على عائلته؛ فالحكم كان بالسجن لمدة 23 عاما وغرامة مالية بقيمة 200 ألف شيكل.
ويقول الوالد إن الاحتلال أصدر حكمه على الأسير بناء على قانون الشروع بالقتل كما يسميه، حيث كانت التهمة الشروع بقتل أربعة مستوطنين وتعويض كل منهم.
ويبين بأنه توقع حكما لا يزيد على 15 عاما ولكن الحكم فاجأهم؛ إلا أن ابتسامة عماد حين تلقى الحكم كانت كفيلة أن تنسيها حزنها وصدمتها، فكان واثقا صابرا قاهرا لسجانه.
ويتواجد الأسير الآن في سجن جلبوع، لكنه لم يستسلم للأسر والحكم فقرر إكمال دراسته في جامعة القدس المفتوحة؛ وسار في حفظ القرآن والتجويد وحصل على شهادات داخل الأسر في التنمية البشرية وغيرها من المهارات.
وتفتقد العائلة وجود عماد بينها ذاك الشاب الخلوق المبتسم دائما والرياضي الذي كان يطمح بدراسة التربية الرياضية، كما كان يحنو على أشقائه الصغار وينتظرون عودته إلى المنزل كل يوم.