لم يكن من السهل أبدا على عائلة حسن أن تودع فردا آخر منها أسيرا في سجون الاحتلال، فهي التي تقاسي مرارة الأسر منذ اعتقال ابنتها "شذى" الطالبة في جامعة بيرزيت قبل عدة أشهر.
ولكن نبأ إصابة محمد بفيروس كورونا المستجد كان له وقع آخر؛ فهو في غياهب السجون ولا تعلم عنه العائلة أي شيء ولا تفيدها المناشدات التي أطلقتها في معرفة وضعه الصحي أو الإفراج عنه لمتابعة حالته.
وتقول لـ مكتب إعلام الأسرى إن قوات الاحتلال داهمت منزلها في قرية دير السودان غرب رام الله واعتقلت محمد الطالب في سنته الثالثة بجامعة بيرزيت في تخصص المحاسبة، ثم قامت بنقله إلى جهة مجهولة.
وتوضح بأن الاحتلال وبعد ساعات من اعتقال نجلها نقلته إلى مركز المسكوبية للتحقيق معه، والذي يقبع فيه عدد من من زملائه في الجامعة منذ أسابيع.
وبعد مرور أيام قليلة على اعتقاله تلقت العائلة اتصالا من مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان؛ وخلال ذلك أبلغتها أن محمد مصاب بفيروس كورونا وأنه تم نقله إلى جهة غير معلومة.
حالة من الخوف والقلق انتابت العائلة التي كانت أصلا قلقة على مصير محمد في سجن المسكوبية في ظل هذه الأوضاع الاستثنائية؛ لتبدأ بعدها رحلة الانتظار البطيء القاتل ملتمسة أي خبر بشأنه.
وتبين بأن الاحتلال في البداية لم يطلع العائلة أو أي جهة أخرى عن مكان تواجده؛ ثم قال إنه نقله إلى عزل سجن الرملة، مشيرة إلى أن أفراد العائلة خضعوا لفحص الكورونا والذي تبينت نتيجته سلبية أي أنهم لا يحملون المرض.
وتشير إلى أن الاحتلال كان وما زال يتعمد التكتم على حالة ابنها ومكان تواجده، وأنه حتى هذه اللحظة لم تتم زيارته من المحامي أو أي مؤسسة حقوقية ويقبع في عزل الرملة دون أن يعلم أحد حالته الصحية.
وتتابع:" الاحتلال قام بإجراء الفحص لمحمد ثم بدأ معه التحقيق ومدد اعتقاله لثمانية أيام؛ وبعد ذلك تبينت إصابته فقام بنقله إلى عزل الرملة ويقول إنه لم تبد عليه أي أعراض".
ورغم اعتراف الاحتلال بإصابة الأسير إلا أنه ما زال يتعنت في الإفراج عنه بل ويعقد له جلسة محاكمة يوم الثلاثاء القادم، بينما تحاول هيئة الصليب الأحمر ومؤسسة الضمير إرسال محام لزيارته دون ظهور أي أفق.
أشهر المعاناة
ولم تكد عائلة حسن تتلقى خبر تجديد الاعتقال الإداري لابنتها الطالبة في جامعة بيرزيت شذى ابنة السنة الرابعة حتى بدأت في دوامة قلق أخرى على شقيقها.
وعلى الرغم من القلق الذي انتاب العائلة في ظل انتشار جائحة كورونا إلا أن الاحتلال رفض الإفراج عنها أو حتى زيارتها، ولم يسمح لها إلا بالاتصال بعائلتها لبضع دقائق.
وتقول العائلة إن الأشهر الماضية أعادت مصطلح الاعتقال ليغزو صفوفها من جديد، فاعتقال شذى كان أمرا مقلقا ومحزنا لها بعد اقتيادها من منزلها إلى الآليات العسكرية.
وتوضح بأن اعتقال شقيقها الآخر عبد المجيد لعدة أيام بعد ذلك كان موضع قلق آخر تمر فيه، ثم جاء اعتقال محمد ليكمل هذه المعاناة.
وتعتبر عائلة حسن واحدة من العائلات الفلسطينية التي جرب معظم أفرادها السجون، فالوالد الشيخ الداعية ماجد حسن اعتقل عدة مرات أمضى خلالها عشر سنوات مجتمعة، والوالدة ندى الجيوسي اعتقلت لخمسة أشهر قبل عدة أعوام لتبدأ بعدها معاناة اعتقال الأبناء الذين تركتهم صغاراً حين اعتقلت.
وفي ظل الأوضاع الاستثنائية التي يعيشها الفلسطينيون تحاول العائلة أن تحشد الدعم والإسناد للضغط على الاحتلال للإفراج عن نجلها؛ فنظمت حملة إلكترونية لدعمه والدفاع عنه.
وفي هذا السياق يقول والد الأسير عن محمد:" ولد "محمد" في الذكرى الأولى لاستشهاد الشهيدين البطلين "عادل" و"عماد" عوض الله وبعد المشاركة في الجنازة الرمزية للشهيدين ذهبت إلى المستشفى عند أمه لألقي عليه النظرة الأولى، فقلت في نفسي: إن شاء الله يكون لك شأن كما كان لهذين البطلين، كان محمد منذ صغره يتميز بحيوية عالية، وكلما كبر سنه ازدادت حيويته وازداد طموحه، عاش محمد منذ صغره إجرام الاحتلال بحق الأسرة ابتداء بسيرة عمه الشهيد "أمجد" الذي استشهد أثناء الانتفاضة الأولى، تلاها الاقتحامات المتكررة لبيتنا لأكثر من عشرين مرة، وبلغت ذروة الاعتداءات الإجرامية عندما تم اعتقال أمه واقتيادها إلى مركز تحقيق المسكوبية وغيابها عنه مدة خمسة شهور وهو بأمس الحاجة إليها حيث كان عمره وقتئذ تسع سنوات.. كان "محمد" يتمتع بشخصية جادة، وكان صاحب طموح، وأثناء دراسته للتوجيهي \الفرع العلمي، عمل برنامجا لدراسته، وكان منظما في وقته، ووضع هدفا أن يحصل على معدل عالٍ في التوجيهي حتى يتسنى له دراسة الطب، وقد حصل على معدل وهو(93.4)، وبما ان هذا المعدل لا يؤهله لدراسة الطب في فلسطين، قال لي يا ابي: اريد ان اسافر الى تركيا لادرس هناك، فقلت له يا بني: اذا اردت ان تسافر الى تركيا فاعلم انك لن تعود الينا الا بعد حصولك على شهادة الطب وهذا يعني غيابك عنا لمدة لا تقل عن ثماني سنوات، لأن الاحتلال إذا عدت إلينا اثناء دراستك لن يسمح لك بالعودة وسيساومك على استمرارك في الدراسة مقابل ان تكون عينا لهم، فيا بني نحن في ارض رباط، فاذهب وادرس في جامعة بيرزيت والله لن يضيعك.. منذ عام تقريبا، والاحتلال يلاحق "محمد" وتوعده بالاعتقال، ويرسل له تهديده ووعيده بسبب نشاطاته النقابية لخدمة الطلبة، وعانى الكثير من هذه الملاحقات ..فكم من الليالي نام بالعراء.. ونام داخل سيارات اصدقائه واصحابه.. وكم من الليالي نام تحت الاشجار.. ولم يثنه كل ذلك عن حمل الامانة بقوة .. وعلى ان يكون مجتهدا ومتفوقا في دراسته.. هذا هو "محمد" وهذه هي قيمه.. والمقام لا يسمح بذكر كل شيء عن "محمد" ففي الجعبة الكثير عن اخلاقه ومواقفه.. "محمد" الآن في زنازين العزل مصاب بفايروس الكورونا ينتظر منكم الدعاء والمناصرة".