الأسير أيمن سدر وحكاية رمضان الرابع والعشرين بعيدا عن عائلته!
الأسير أيمن سدر
إعلام الأسرى

ما زالت تذكر آخر شهر فضيل قضاه في المنزل؛ تجلس على المائدة وتتخيل وجوده في كل مرة بل وتحاكي طيفه وكأنه ما زال يرافقهم محاولة تناسي الظرف القاتل الذي تعيشه منذ ٢٤ عاما.

ربع قرن أمضاها الأسير أيمن سدر (٥٣ عاما) من مدينة القدس المحتلة في سجون الاحتلال التي غيبته عن عائلته الصغيرة جدا والمكونة من زوجته وطفل صغير كان يبلغ من العمر أربعة أشهر فقط حين اعتقل.

وتوضح زوجته أم محمد لـ مكتب إعلام الأسرى بأن زوجها اعتقل في الثالث عشر من مايو/ أيار عام ١٩٩٥ أثناء عبوره لحاجز "إيرز" العسكري شمال قطاع غزة، حيث كان يعمل في نقل البضائع وقتها واتهمه الاحتلال بالمشاركة في خلية عسكرية تابعة لحركة حماس.

الاعتقال لم يكن قاسيا بحجم الحكم الذي أصدره الاحتلال عليه؛ فمصطلح مدى الحياة ما زال يؤرق العائلة ويحدث ما يحدثه في قلبها الذي احتمل الكثير خلال سنوات طويلة من الاعتقال.

وتقول الزوجة بأن الاحتلال قام كذلك بإغلاق منزل الأسير بالأسمنت المسلح ما اضطرها للعيش في منزل عائلتها، بينما كان طفلها الصغير هو أكثر ما يشغل تفكيرها؛ فكيف تربيه بعيدا عن والده وكيف تغرس فيه استمرار العلاقة بينهما.

وتضيف:" كان تحديا كبيرا بالنسبة لي أن يتواصل محمد مع والده، فكان يظن في البداية أن جده أي والدي هو والده وكنت أقول له بابا في السجن ثم أصبح ينتظم في زيارته بل وينتظرها في كل مرة ويسعى إلى التعرف أكثر على والده من خلال الزيارات".

تكاد الزوجة الصابرة تنسى تفاصيل آخر شهر رمضاني قضاه زوجها في منزله، حيث أن عملية اعتقاله كانت في عيد الفطر السعيد ولكنها لم تمحُ ذكريات جميلة ما زالت العائلة تستذكرها.

وتوضح بأن العائلة حتى الآن ورغم مرور أكثر من ٢٤ عاما على اعتقاله تستحضر وجوده معها في كل يوم وتبقي على ذكره والحديث عن صفاته وماذا كان يحب أن يأكل وكيف كانت تفاصيل حياته قبل الاعتقال، وكأن السجن مجرد شيء عابر سينتهي قريبا إن شاء الله.

وتتابع:" السجن قهر وهو قاسٍ للغاية ولكن بإرادتنا نستطيع أن نسيّر بعض الأمور وأن نجعل قوتنا قاهرة له ولآثاره رغم أنه أمر واقع ومفروض علينا".

الحرمان

كبر الطفل محمد وهو لا يعرف والده إلا من وراء أسلاك شائكة وزجاج مقوى؛ كان يتساءل عقله البريء دائما عن السجن ومصطلحات أخرى قاسية لا يجب أن يفكر بها طفل في عمره، والآن أصبح شابا في الرابعة والعشرين من عمره من عمر القهر والاعتقال.

وتبين أم محمد بأن مرور شهر رمضان كان قاسيا على العائلة في كل مرة؛ حيث أنه الشهر الخاص بالجمعات العائلية والموائد التي تلم الأقرباء بينما كان أهم عنصر في العائلة غائب وهو الزوج والوالد.

وتضيف:" رغم الألم الذي كان يعصف بنا وما زال إلا أننا استطعنا التغلب على فكرة القهر والمعاناة، بالطبع هناك لوعة للفراق ولكن ننستعين بالله تعالى على التغلب على بعض المشاعر الصعبة".

وتستذكر أم محمد طفولة ابنها في رمضان والذي كان يرى الأطفال برفقة آبائهم في المساجد ويبتاعون الحلويات ويشترون لهم الفوانيس، وهو ما جعلها تصر أكثر على ضرورة تعميق العلاقة بين محمد ووالده حتى لو كان الأسر عائقا.

وتتابع القول:" كان الأمر صعبا للغاية بالنسبة لي واكن بفضل الله تخطيت كل العوائق والتحديات وأثبتّ لنفسي أنني قادرة على تولي هذه الحياة الجديدة القاسية، فربطت محمدا بوالده وجعلته أهم شيء بالنسبة له والعنصر الأساسي في حياته حتى كبر على ذلك وحافظ على العلاقة القوية معه وبالتالي تغلبنا على فكرة السجن الرامية إلى التفريق والنسيان".

مئات العائلات الفلسطينية تفتقد أسرى مضت عليهم سنوات طوال داخل مقابر الأحياء وبانتظار حرية تجمع شملهم وتعيدهم إلى عائلاتهم مهما بلغ القهر مداه.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020