انتكاسة صحية هي الأسوأ
المحررة منى السايح : زوجي بسام أخبرني 3 كلماتٍ أطبقن الأرض بالسماء على قلبي
الأسير بسام السائح وزوجته منى
إعلام الأسرى 

لا أحد يعلم تماماً مقدار الوقت الذي قضاه بسام في مراجعة نفسه، أيتصل بزوجته ليخبرها عن مستجدات وضعه الصحي أم لا؟ أيحتمل قليلاً بعد لعلَّ الألم يغادر ويحاربه وحيداً دون كلمات زوجته التي كانت في كثيرٍ من الأحيان الدواء الذي أنقذ حياته؟ أيحتفظ بالأمر سراً ويقاتل خلايا السرطان وتقرحات جسده بعيداً عن العالم؟ في قسمٍ في جلبوع لا يعلم وصفه وظروفه أحد!.

وإن وجد فرصة، أيغامر بأمورٍ لا يعلم تفاصيلها إلا هو وزوجته؟ فلقد أخذت منه عهداً أن لا يخفي عنها أخباره الصحية، وأن يبقيها على اطلاعٍ دائم كل ما سمحت له الفرصة، وهي الزوجة الملكومة التي لم تزره منذ شهورٍ، ولا تملك إلى أخباره وصولاً سوى هذا العهد، فهل يقول لها بأن جسده لم يعد يملك من القوة شيئاً؟.

حين وصل الخبر في نهاية المطاف للمحررة منى السايح، من سكان مدينة نابلس، بأن زوجها الأسير المريض بسام السايح(44عاماً) أصيب بانتكاسة هي الأسوأ منذ إصابته بمرض السرطان لم تحتمل الأرض ثقل ألمها، تقول منى السايح في حديثٍ لمراسل مكتب إعلام الأسرى في نابلس" في ثلاثة دقائق حديث علمت خلالها أنه أصيب بانتكاسة، جسده لم يعد يقو على الحركة، والسير أصبح معضلة".

ما قبل الانتكاسة

تبذل المحررة منى السايح جهداً كبيراً للخوض في واجبات ربما لا تعلم هي حتى حجم ثقلها، تفاصيل حياتها ليست بالقصة التي تُروى لتذرف القلوب دموعاً عليها، بل بالقصة التي تنتظر أن تنال من ضمير أحدٍ ما قاب قوسين أو أدنى قليلاً من التحرك.

قبل فترة وجيزة قررت المحررة منى السايح السفر خارجاً لظرفٍ صحي يخص شقيقتها، منى راجعت نفسها كثيراً قبل أن تسافر فهي تؤمن بأنها وإن لم تستطع أن تزور زوجها المريض بسام السايح(44عاماً) في سجنه، إلا أنها على الأقل ستكون تحت سماء وطنٍ واحدٍ معه.

كان صعباً على السايح أن تسافر، لكن الأمور كما تصف ومع تعقيدات سفرها كونها أسيرة محررة وزوجة أسير سارت بيسر، تقول" أؤمن أن الأمر لأنه لله ولواجبٍ عائلي وليس لنزهة أو ترفيه تيسر وسارت أمور السفر جيداً، مع وجود تعقيدات معينة".

الانتكاسة وجلبوع

ما هي إلا أيام قليلة بعد سفرها، حتى تلقت المحررة منى السايح خبر الوعكة التي ألمت بزوجها، زوجها الذي جاهد نفسه كثيراً كي لا تعود سريعة من سفرها بسبب مرضه، في حين تؤكد هي أن كل حياتها له، تقول منى السايح"علمت أن وضع بسام الصحي سيء جداً، لدرجة أن نفسيتي تعبت، وما زاد الأمر سوءاً هو وجود تشديدات كبيرة على السجون بشكل عام، وفي جلبوع كذلك، فقد تم ضبط أجهزة اتصال هناك، ونُقل أسير على إثر هذا الإجراء لسجنٍ آخر".

حين حدوث تشديدات في أحد السجون، وحين يتم مصادرة أجهزة اتصال يعاقب كل السجن بقطع صلته بالعالم لخارجي، وما حدث أن الأسير المريض بسام السايح كان أحوج ما يكون لأن يتواصل مع زوجته، ففي حديثه معها شفاء.

تواصل منى السايح حديثها فتقول" لم يكن الوضع العام في السجن جيداً أبداً، لكنني أخذت عهداً من بسام منذ أمد، أن يخبرني بأي طريقة حين تحدث انتكاسة بخصوص وضعه الصحي، وأخذت منه كلمة بأن لا يخفي عليَّ أمراً يتعلق بصحته، ولأجل هذا العهد علمت أنه منذ أسبوعٍ وأكثر فقد القدرة على الحركة كما وفقد القدرة على السير كلياً".

زيارة العائلة

بتاريخ 16/1/2019 تمكن ذوو الأسير بسام السايح من زيارته في سجن جلبوع، وما يؤلم هو أنه وفي ذات ليلة زيارته نقلت والدته للمستشفى، كل هذه الأمور تضافرت في الوقت الذي تتواجد فيه زوجة الأسير السايح، منى، خارج البلاد، تقول منى السايح" كل الأمور حدثت مع بعضها البعض، وصلت الإمارات منذ فترة قصيرة فقط، عشت خلالها في همٍ وغم؛ أوضاع بسام كانت سيئة، صوته مجهد، وجملة وصلت لي قال فيها: منى، أنا تعبٌ جداً جداً، منى، أنا "تكرسحت".

الأسير بسام السايح ليس بالشخصية التي تستسلم للمرض، لكنه أيضاً مريض مصاب بالسرطان، واعترافه بألمه يعني أن وضعه الصحي خطير، هو لم يكد يهنأ بتطور نقله من ما يصطلح الأسرى على تسميته بمسلخ سجن الرملة إلى سجن جلبوع، فقد تعذبت روحه طويلاً في مسلخ الرملة، كما هو جسده، وعلى الأقل كما أكدت زوجته، في جلبوع سيجد من الأسرى الأصحاء من يعتني به ويحنو عليه، تعقب منى السايح ، فتقول" الرملة مسلخ لا مستشفى، أسوأ بكثير من باقي السجون، وفي جلبوع تحسنت نفسية بسام كثيراً".

لا أصعب من وصف اللحظة التي تلقت فيها الأسيرة المحررة السايح خبر تعب زوجها، تقول" لقد ضاقت بي الدنيا، شعرت كما لو أنها أطبقت علي، كنت خارج المنزل وبرفقتي ابن أختي الصغير، توقفت ورفعت من معنويات بسام، وأخبرته بطريقتي: لا أحب أن أسمع الضعف في صوتك، ولا أحب أن أرى نفسيتك هكذا.

منى هي الدواء

رفض الأسير السايح أن يكون السبب الذي ستعود به زوجته إلى البلاد من سفرها، لكن منى وداخلياً كانت تعلم مقدار ما ستحدث له زيارتها من أمل ومعنويات جديدة من خارج أسوار سجنه، تقول السايح" من المجحف أنني حصلت على تصريح زيارة لبسام حين سافرت، وأنا التي لم أزره منذ شهر نيسان الماضي، أي أن 10 أشهر مرت ولم أره فيها، لذلك قررت العودة سريعاً، فالتصريح سيسمح لي بزيارته في شهر(2) الجاري".

بسام السايح أبلغ زوجته وعائلته قبل أيام بأن وضعه الصحي تحسن، إمكانية التواصل مع ذويه أيضاً تحسنت، وضع سجن جلبوع استقر جزئياً، وبدأ جسد بسام يستجيب للعلاج.

غيمة القهر التي أمطرت على المحررة منى السايح انقشعت، الأمل زاد قليلاً، وضع زوجها الصحي استقر، التقرحات التي حدثت في جسده بدأت بالاختفاء تدريجياً، بدأ باستخدام جهاز المشي(walker)، والآن يستطيع الذهاب للحمام على الأقل لوحده.

بسام لم يخرج من انتكاسته الصحية هذه بسهولة، فلا أحد يعلم حجم التجارب العلاجية التي أُجريت عليه من أجل إيجاد علاج نهائي، والأجدر قوله أن بسام ربما لم يتماثل للشفاء إلا بعد حكمة الله في أن سيُسمح لزوجته منى السايح أن تزوره في وقتٍ قريب، فهي كانت ولا تزال دواء آلامه الأول.

الأسير بسام السايح ودون مبالغة، القصة الإنسانية الأكثر ألماً في السجون، جسدٌ تقتله خلايا نوعين من السرطان، وحكمٌ مؤجل بسبب وضعه الصحي، فإلى جانب مرض السرطان في الدم والعظام، يحتاج الأسير السايح لمسكنات للمشاكل التي يعاني منها، وهي مشاكل التنفس في رئتيه والالتهاب الرئوي، ومشاكل الحركة والضعف العام، والقصور الحاد في عضلة القلب، وهشاشة العظام والضعف العام.

الأسير السايح مهدد أيضاً بحكم المؤبد المكرر مرتين، والثلاثين عاماً الأخرى، كما تم حكم باقي أفراد خلية ايتمار والتي يتهمه الاحتلال بالمشاركة فيها، والتي نفذت عمليتها عام 2015، وأدت لمقتل مستوطن وزوجته.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020