خضرة مسلم : والدة أقدم أسير في نابلس تبكيه صورةً في يوم الأسير الفلسطيني 
خضرة مسلم والدة الأسير قتيبة محمد مسلم
إعلام الأسرى 

في خزانة ملابسها، وبين أكوام المناديل فلاحيِّة الطابع، لا تزال الحاجة خضرة مسلم (74عاماً) من سكان قرية تلفيت، قضاء مدينة نابلس، تحتفظ بمنديلٍ أبيضٍ ناصع، ربما ارتدته خصيصاً لتلك المناسبة، وحين تشعر بوخزة شوقٍ في قلبها تخرج هذا المنديل تشمه، وتعيده مجدداً إلى مكانه، تحرص أن لا يحركه أحد، أن لا ترتديه مرةً أخرى.

في ثنايا ذلك المنديل تخبأ الحاجة خضرة مسلم روح ابنها ورائحته، هو الأسير قتيبة محمد مسلم (48عاماً)، وهي قصة منديلٍ ارتدته في زيارةٍ خاصة حين تمكنت من أن تحتضنه بعد 18 سنة من اعتقاله، ونسيانها لتفاصيل رائحته، وملمس شعره، حتى إذا عادت للبيت سارعت لخلع المنديل ووضعته في درجٍ خاص ليصبح مرجعاً لها حين تشتاقه.

من بيت الأسير قتيبة مسلم، في تلفيت، انطلقت فعاليات يوم الأسير الفلسطيني في محافظة نابلس، باعتباره أقدم أسير في المدينة، فالأسير قتيبة مسلم معتقل منذ العام 2000، وهو يقضي حكماً بالسجن مدة 37 عاماً، أمضى منها 18 عاماً متنقلاً بين سجون الاحتلال، وبتاريخ 15/11/2018 سيدخل عامه ال19 في الأسر، ورغم هذا الكم لهائل من الوقت لا تزال أمه تتذكر أن بيتها داهمه خفافيش الليل تمام الساعة الرابعة فجراً واعتقلوه تمام السادسة.

لا تزال والدة الأسير قتيبة مسلم تستذكر طريقة اعتقاله الصباحية المؤلمة، حين رأته يعينها مكبلاً، ورأت أحلامه تضيع خلف الزنازين، ابنها خاض تجربة الاعتقال في وقتٍ سابق وقضى من عمره آنذاك قرابة الثمانية أعوام في سجون الاحتلال، لكن بالنسبة لها كان اعتقاله ذلك مختلفاً.

اليوم وحدها أم قتيبة تنتظر عودته، وتؤمن أنها حتمية لكنها تستغرب صمت الشارع الفلسطيني نفسه عن قصص الأسرى ومعاناتهم داخل السجون، وكان يرافقها في استغرابها سابقاً الحاج محمد مسلم، قبل أن يتوفاه الله عام 2014، ويعلم ابنه بعد وقتٍ طويل بخبر وفاته، ويفقد فرصته في وداعه إلى مثواه الأخير.

للأسير قتيبة مسلم حكاية انتصارٍ مع زنازين الاحتلال، فقد غادر عائلته حين كان ابنه يعقوب صاحب ال9 سنوات، وأراد أن يكون له بصمة في أفراحه، إذ ترتفع سنوات عمره بارتفاع سنوات اعتقال والده، والحياة لا تتوقف.

للأسير قتيبة مسلم ابن عم أسيرٍ اعتقل في ذات تاريخ اعتقاله يدعى قاسم قتيبة، وهو يواجه حكماً بالسجن الفعلي مدة 30 سنة، وقد تقرر الاثنان أن يقدما فرحةً نوعية لأبنائهما.

يعقوب الذي كبرت أعوامه ولم يرافقه والده في أيٍ منها، تمكن من أن يدخل الفرح والسعادة لقلب جدته، رغم كم الألم الهائل، فقد تقدم لخطبة ابنة الأسير قاسم قتيبة، وتزوج الشابان في تحدٍ لسنوات اعتقال والديهما، وإثبات أن الأفراح تحاول جهدها كي تدخل بيوت الأسرى بأيديهم ورغم حقد الاحتلال.

الأسير قتيبة مسلم كبر خلف سجون الاحتلال،هرم وشاب شعره، أصبح أباً لشابٍ، ثم لرجلٍ عريس، ثم جداً لحفيدٍ وفد في وقتٍ قريبٍ للحياة، قتيبة مسلم يرقب في كل يوم أن تفتح عليه أبواب الزنزانة ويخرج حراً لعائلته ويعيش معهم تفاصيل الحياة.

حتى ذلك الوقت تتحضر الحاجة خضرة مسلم لزيارةٍ قريبة لابنها في سجون الاحتلال، وتخرج منديله الأبيض حتى تحفظ رائحته مجدداً وتستشعرها في الزيارة، لتكون طبيعيةٍ بالنسبة لها، لا من خلف زجاجٍ سميك، ويروي صديقٌ لقتيبة مسلم من نابلس كيف أن صديقه قتيبة كان شخصاً لا تؤذيه الخطوب ومنذ عرفه في طفولتهم علم أنه سيكبر ليصبح بطلاً مناضلاً فأحاديث كانت تفوق عمره الطفولي آنذاك بمراحل.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020