في يومهن العالمي
20 أمّاً تغلق عليهن أبواب مدافن الأحياء وعلى عائلاتهن أبواب الانتظار
أمهات أسيرات في سجون الاحتلال
إعلام الأسرى 

ثقيلٌ هذا اليوم على قلوب رقيقاتٍ وماجداتٍ يقضين أعماراً من حياتهن في سجون الاحتلال قسراً، ثقيلٌ على حفنةٍ من الصغار تتواجد في بيوتٍ أصبحت مجرد جدرانٍ بعد أن كانت شعلةً من الحنان والمحبة، مرعبٌ هذا اليوم بالنسبة للأسيرة إسراء جعابيص الجريحة، لأن أحلام يقظتها أصبحت في الآونة الأخيرة عن طفلها الوحيد معتصم، عن يوم اللقاء به، ولأن الأمل فيها بدأ يشعر بالألم هو أيضاً، فمحاكم الاستئناف تتأجل وزيارات معتصم تتراكم، وطفولته تسلب أمام ناظريها في كل مرة يحاول أن لا يشعرها فيها أنه يلاحظ فرقاً نتيجة جروحٍ التهمتها النيران وتركت آثاراً مدميةً على جسدها.

في سجني هشارون والدامون تتوزع 20 أسيرةً ينفردن بألمٍ يفوق ألم الأحكام ومحاكم التوقيف، ألم الأمومة، والتفكير بالأسوأ حول أبنائهن وما يحدث لهم، ففي الدامون تتذكر اليوم الأسيرة آسيا كعابنة، من سكان قرية دوما تسعة أطفالٍ لها، أصبح أباهم اليوم هو الأم، في الوقت الذي لا تزال هي موقوفة في انتظار حكمٍ نهائيٍ بحقها، يأخذها الألم للتفكير بأن أطفالها لا يعرفون سبب غيابها عنهم ويلومونها على ابتعادها ولا تسمح لهم أعمارهم بأن يفهموا بأنه هذا من ظلم الاحتلال.

إسراء وآسيا، هما وجعٌ مختصرٌ جداً من أوجاع كوكبة من الأسيرات الأمهات، وفي يوم الأم العالمي، يسلط مكتب إعلام الأسرى أقلامه على آلام هؤلاء الأمهات، وعلى أحكامهن الفعلية وأعدادهن ووصف واقعهن في سجون الاحتلال، في الوقت الذي يخالف وجودهن في السجون حدود التفكير المنطقي والإنساني.

أمهات إداريات

بحسب إحصائيات مكتب إعلام الأسرى تتواجد في سجون الاحتلال الصهيوني اليوم قرابة 20 أسيرة أم، تتراوح أحكامهن ما بين 11 عاماً وتسعة أشهر، اثنتان منهن يقاسين ألم الاعتقال الإداري وهما الأسيرة خالدة جرار من سكان رام الله، والأسيرة خديجة ربعي من الخليل.

مكتب إعلام الأسرى تحدث مع عم الأسيرة خديجة الربعي (33عاماً)، من سكان بلدة يطا، قضاء مدينة الخليل، وهي الأسيرة التي تنتظر بفارغ الصبر انتهاء شهرين إداريين جوهرين يقتاتان من عمرها وعمر أطفالها الستة.

الاحتلال اعتقل الأسيرة الربعي بتاريخ 9/10/2017، وأصدر بحقها أوامر إدارية ثلاث مرات تراوحت ما بين (2-3 أشهر).

عم الأسيرة الربعي أكد على أن لديها ستة من الأطفال، اثنان ذكور وهما ليث وحجازي، وأربعة إناث هن، ماريا وسارة وجنان وغفران، وأن أصغر طفلاتها غفران تبلغ من العمر أربع سنوات، في حين عمر طفلها البكر ليث 13عاماً.

بالنسبة للأطفال الستة فإن الشهرين المتبقيين من عمر السجون التي تغلق على والدتهم تعادل سنتين من الانتظار، فلدى ماريا أسرارٌ كثيرة تود لو تفضيها لوالدتها، وغفران تملك عمراً غضاً لا يمكن معه فهم سبب غياب أمها عن البيت، علاوةً على أنه كان غياباً إدارياً تتهيأ العائلة فيه في كل مرة لحريةٍ مرتقبة، ثم تصاب بنكسةٍ ديدة عقب تجديد الإداري.

تقرير المصير

تؤكد إحصائيات مكتب إعلام الأسرى على أن سجون الاحتلال تغلق أبوابها كذلك على ثماني أسيرات موقوفات هن الأسيرة أماني حشيم من القدس والمعتقلة منذ تاريخ 13/12/2016، والأسيرة غدير الأطرش من الخليل والمعتقلة منذ تاريخ 9/8/2016، والأسيرة فدوى حمادة من القدس والمعتقلة منذ تاريخ 12/8/2017، والأسيرة أمل سعد من بيت لحم والمعتقلة منذ تاريخ 1/1/2017، والأسيرة أمينة محمود من القدس والمعتقلة منذ تاريخ 4/12/2017، والأسيرة ورود العاصي من طولكرم والمعتقلة منذ تاريخ 11/2/2018، والأسيرتان منهى غيث من الخليل والأسيرة ناريمان التميمي من رام الله.

الأسيرة آسيا كعابنة (40عاماً) من سكان قرية دوما، جنوب نابلس، لا تزال تحت حكمٍ معلق هي وزوجها وتسعة من أبنائه، أكبرهن شفاء وتبلغ من العمر 17عاماً وقد أصبحت اليوم هي أم المنزل والقائمة على شؤونه كما هن طفلات عديدات اطضررن أن يخلعن عنهن لباس الطفولة في ظل غياب أمهاتهن القسري، كما أن أصغر أبناء الأسيرة الموقوفة كعابنة هو جهاد ويبلغ من العمر أربع سنوات.

أطفال الأسيرة كعابنة يعيشون اليوم في قرية دوما، غير أن زوجها أكد على أن عنوانهم الرئيسي كان في بلدة الطيبة قضاء رام الله، وبحثاً عن الهدوء جاؤوا للسكن في دوما، حتى لاحق الاحتلال أحلامهم واعتقل أم المنزل.

سنواتٌ من أعمارهن

ومن بين الأمهات الأسيرت تعتبر إسراء جعابيص صاحبة أعلى حكم فعلي في الأسر ومدته 11 عاماً، وهي أم لطفل وحيد يدعى معتصم ويبلغ من العمر تسع سنوات وتتخوف عائلتها من استمرار اعتقالها اللامنطقي، حتى تتحرر وتجد ابنها الطفل وقد أصبح في عمر الشباب.

الأسيرة الجريحة إسراء جعابيص (32عاماً) أكدت حين كان يتاح لها أن تظهر إعلامياً في محاكمها الفعلية على أن الاحتلال يعتقلها دون وجود تهمة فعلية ودون وجود مبرر، فهي كانت تنقل أثاثاً إلى مكان سكنها حين اشتعلت بها السيارة فجأةً دون أن يكون لها نية تنفيذ أي عملية، وفوق كل هذا هي لا تزال تنتظر إجراء عمليات جراحية وظيفيفة لها، في الوقت الذي أكدت شقيقتها على أنه تم إجراء عمليتان لها، إحداهما لفصل الجلد في منطقة الإبط، والأخرى لزراعة جلد تحت عينيها.

وتعتبر الأسيرة حنان صادق الأخضر(53عاماً) من سكان مدينة الخليل أصغر الأسيرات حكماً في سجون الاحتلال، فهي تقضي حكماً بالسجن مدته تسعة أشهر، منذ اعتقالها بتاريخ 30/11/2017.

الأسيرة الأخضر أم لخمسة من الأطفال، وتعتبر من الأسيرات كبيرات السن اللواتي يتواجدن في سجن الدامون، كما أن لها شقيقاً يقضي حكماً بالسجن المؤبد، وهو عماد صادق النيروخ المعتقل منذ العام 2004.

لمحات من ألم

لا تنتهي آلام الأم الأسيرة بمجرد خروجها من السجن، فقصصٌ كثيرةُ تداولتها أمهاتٌ أسيرتٌ محررات تشير إلى أن الطفل يتقبل والدته عقب حريتها بصعوبةٍ كبيرة، فلا تزال خيالات قصة المحررة هيفاء أبو صبيح عالقة في الذهن حين قصت كيف كان صعباً أن تتقبل ابنتها عودتها حرةً، وتعود لتحتضنها من جديد، وستتكرر قصة هيفاء في واقع 20 أسيرة ينتهك الاحتلال حقهن في الأمومة وحق أطفالهن في عيش طفولة كاملة بعيداً عن حافلات الزيارة والنهوض الصباحي المؤلم لأعمارهن.

كذلك فإن الأسيرة المحررة تبقى معلقةً بجزءٍ وطقسٍ كان يسود السجون في مثل هذا اليوم، فقد كتبت المحررة دنيا ضرار واكد من سكان طولكرم على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي كيف كانت الأسيرات يحتفلن بهذا اليوم، هي لا تزال تتذكر طقوس المحررة لينا الجربوني والتي قضت عمراً كبيراً من حياتها في السجون في مثل هذه المناسبة، فقد كانت تغلف الهدايا للأسيرات الأمهات لإدخال الفرحة إلى قلوبهن مع كل ما كن يعانينه داخل الأسر.

في المراكز الحيوية للمدن الفلسطينية اليوم، ولمدن العالم أجمع، هناك تجمعات لباعة ورودٍ طبيعية ولمئات المارة اللذين يلتقطون صورةً للمشهد ولابنة جامعية تشتري وردة لأمها وابناً ينظر إليه أصدقاؤه بعين الضحك حين يخبرهم بأن هذه الباقة لوالدته، ولربما في مكان بعيد لم يستطع أحد أن يلاحظه هناك ابنة في سنتها الجامعية الأولى ترقب المشهد وتذرف دموعاً على طقوس هذا اليوم الضائعة لها ولأمها داخل سجن هشارون.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020