الأسيران عثمان بلال وعبد الناصر عيسى: رفيقا دربٍ في النضال والاعتقال والحكم والعزل
الأسيران عبد الناصر عيسى وعثمان بلال
إعلام الأسرى 

لأجلهم، لأسرى السنوات الطويلة، على أحدٍ ما أن يستحضر دروس اللغة العربية، أن يجد مصطلحاً يكبر التضحية، لأن ذويهم جادلونا، حين وصفنا عمر أبنائهم بالضائع قسراً، قالوا لنا: نحن مؤمنون..نعلم بأن أعمارهم في السجون لا تضيع، لم يُقدم لهم شرحٌ حول المقاصد المخفية الكامنة وراء السؤال، كيف أننا رغبنا في إظهار حقيقة الاحتلال، وكيف يسلب شبابنا أعمارهم.

في فلسطين، تتبلور الصداقة بعيداً عن المقاهي، وأماكن إضاعة الوقت، خلف صفوف يحيى العياش تولد، وداخل مطابخ تصنيع المتفجرات أسفل منزلٍ هادئ، وبين اصبعين حملا في وقتٍ سابق سيجارةً لإيهام العدو بأن هذا الجيل لا يملك من أمره شيئاً .

الأسير عثمان سعيد بلال (47عاماً) ورفيقه الذي اختاره الوطن، عبد الناصر عطا الله عيسى (59عاماً) من مخيم بلاطة جنوب مدينة نابلس، حلما يوماً بأن يدور بينهما حوارٌ لحالمين حين قال أحدهم لصديقه: ماذا ستشتري هذه المرة براتبك الشهري لابنتك الصغيرة، فرد: بندقية بلاستيكية لتكبر وتملك أخرى حقيقية، فتعجب من قوله، وقال له: وتموت شهيدة، فرد: عندها تكون قد وهبت لها الحياة.

عثمان وعبد الناصر، لم تتح لهما فرصة للخوض في هذا الحوار، لم يقدر لهما أن يذوقا حتى طعم الراحة، فمنذ العام 1993 انخرط الأسيران القساميان، في صفوف استرداد الكرامة، وخلال عامين فقط، نفذ كلاهما جولاتٍ من النضال لو استمرت لما كان الاحتلال موجوداً اليوم.

مكتب إعلام الأسرى يعرض تفاصيلاً من حياة المناضلين عثمان بلال وعبد الناصر عيسى، بدءاً بظروف الاعتقال والأسر، وصولاً إلى 22 عاماً من التضحية.

لا يشق له غبار

عبد الناصر عيسى، المكنى بأبي حذيفة، شهدت أزقة مخيم بلاطة على نضوجه الوطني، درس المرحلة الابتدائية والإعدادية هناك، وقبل أن يحصل على شهادة الثانوية العامة عام 1998، اعتقل بتهمة إلقاء زجاجات حارقة على المركبات العسكرية الصهيونية، ليمضي عامين ونصف داخل السجن.

لم يلتفت عبد الناصر حين نال حريته، لحجارة منزله الذي هدمه الاحتلال، عبد الناصر ليس من الرموز التي تنظر للذكريات بعين الحسرة، وليس من الأشخاص الذين ينظرون لمكانٍ آخر سوى المقدمة، فحين نال حريته حصل على شهادة الثانوية العامة من المدرسة الإسلامية في مدينة نابلس.

لاحقاً، التحق عبد الناصر بكلية الشريعة في جامعة النجاح الوطنية، وبعد عام من الدراسة وتولي مسؤولية الكتلة الإسلامية في جامعة النجاح توجه إلى قطاع غزة ومكث ما يقارب العامين على أرضها المجاهدة، ليعيد الاحتلال عام 1993م اعتقاله من جديد.

عشرين ربيعاً

عثمان سعيد بلال، ابن مدينة نابلس، صاحب العشرين ربيعاً، في بداية اعتقاله، شابٌ في مقتبل العمر يواجه محققاً لم يُخفه، فكيف لمن خبر فنون تصنيع المتفجرات وحفظ تضاريس البلاد وأماكن تجمع جنود الاحتلال، ورسم في مخيلته صورةً للعملية الاستشهادية أن ترعبه غرف التحقيق.

عثمان شابٌ نشأ في مخيم بلاطة، بين قصص العودة، ومفاتيح البيوت التي أصابها الصدأ، ابن الشيخ المعروف سعيد بلال، وشقيق الكتيبة المناضلة، بكر ومعاذ وعبادة وعمر، عائلته ذاقت ظروف الأسر، حتى أن حفيدتهم صفاء بكر بلال، أكدت ذات مرة أن شقيقها سعيد حين اعتقل وجد اسم جده سعيد على جدران زنزانته، فالأحفاد والأجداد وأبناؤهم ووالدتهم ذاقوا جميعاً مرارة الاعتقال.

معاذ بلال هو أحد الكتيبة العائلية التي لا تزال تتواجد داخل الأسر، ويقضي حكماً مؤبداً، كما أن شقيقه عبادة بلال لم يكتف الاحتلال باعتقاله فحسب، بل منعه من فرصة الاستقرار بجوار عائلته حين نال حريته، وأبعده إلى قطاع غزة.

الرفيقان

عبد الناصر وعثمان إلى جانب سجلهما النضالي المتشابه، ومعايشتهما حياة مخيم بلاطة، صدر بحقهما حكمٌ بالسجن المؤبد مرتين، فقد التحقا بصفوف المجاهد يحيى عياش، وشكلا خليةً خاصة في مدينة نابلس، وكان لها الفضل في تنفيذ عمليات أدمت الاحتلال، ولا تزال حتى اليوم تؤرق فكره.

عام 1995 كان الأسيران عبد الناصر وعثمان يتحضران لتجهيز استشهاديين بغية تنفيذ عملية في مدينة تل أبيب، وعقب نجاح العملية، وإيقاعها ل6 صهاينة وجرح العشرات من الذين اعترف الاحتلال عنهم، نفذ الأسيران أول عملية مشترك لهما.

لم يمهل الاحتلال الأسيران فترة طويلة، فأثناء عودة الأسير القسامي عبد الناصر عيسى إلى مدينة نابلس، اعتقله بتاريخ 19/8/1995، ولأن الأسيران عثمان وعبد الناصر رفيقا درب، فقد اعتقل الاحتلال عثمان عب يومٍ واحد، بعد محاصرة منزله.

الاحتلال كان قد أُعطي أوامر بتصفية الأسيرين، غير أن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة له، ولم تكن 22 عاماً من الأسر كافيةً أيضاً، أعوام جديدة يغادر الأسيران أعتابها ويدخلان مرحلة جديدة من انتظار الحرية.

الاحتلال حتى عقب اعتقال الرفيقين لم يكتف، فقد تعرض كلا الأسيرين لسنوات من العزل الإنفرادي المتجدد، ويعتبران من عمداء الأسرى في السجون، وحتى رغم اعتقالهما، لا يزال الاحتلال يعتبرهما قادران على تشكيل خطر على كيان الاحتلال.

محطات الأسر

تولى "عبد الناصر عيسى" منصب أول رئيس للهيئة القيادية لحماس في السجن في بداية تشكلها عام 2005م، وهو من مهندسي وثيقة الأسرى المشهورة، وكما يصفه زملائه في الأسر بصاحب الشخصية القيادية، محبوب لدى الجميع، له قدره كبيرة على التأثير على الآخرين، يحافظ دائماً على ابتسامته المتميزة وفكاهي رغم الظروف القاسية ، والضحكة لا تفارق شفتيه مهما حدث.

ورغم ظروف السجن القاسية والعقبات التي يضعها الاحتلال في طريق الأسرى، لم تتوقف مسيرته العلمية والثقافية داخل السجن، بل كان السجن بداية لنجاحات كثيرة، فقد حصل على البكالوريوس في العلاقات الدولية وكذلك الماجستير من جامعة تل ابيب المفتوحة، وحصل على ماجستير ثانٍ في الدراسات الإسرائيلية من جامعة القدس، وأصبح يُدرس الاسرى داخل السجن .

كما وساهم الأسير عبد الناصر في تقديم عدة أبحاث داخل السجن منها ما نشر ومنها لم ينشر بعد، ومن هذه الأبحاث، الثقافة والتغير في مصر وتونس، العلاقة بين المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، والعلاقات الخارجية بين أمريكا وإسرائيل.

أما الأسير عثمان بلال، فقد دخل الأسر بعمر العشرين وتجاوز عمر الأربعين، تمكن من الحصول على شهادة االثانوية العامة، وعقب منع الاحتلال له من الحصول على درجة البكالوريوس في تخصص الصحافة والإعلام من الجامعة العربية اتجه لدراسة تخصص التاريخ.

جمعتهما خلايا المهندس يحيى عياش، عاشا شطراً من حياتهما مناضلين، والشطر الآخر في أكناف التضحية، مشهوران في السماء، يطويان اليوم عاماً جديداً من الانتظار، عاماً يجب أن يكون الأخير.

جميع الحقوق محفوظة لمكتب إعلام الأسرى © 2020